تحول العالم نحو العمران المستدام: مصر تتبنى الاستراتيجية الوطنية للعمران الأخضر
في يوم الجمعة، الموافق 24 أكتوبر 2025، يشهد العالم تحولًا متسارعًا نحو العمران المستدام والمباني الخضراء، حيث أصبحت هذه الاتجاهات تمثل أدوات رئيسية لمواجهة التغير المناخي وترشيد استهلاك الموارد. وقد فرضت التغيرات المناخية واقعًا جديدًا يتطلب التفكير بأسلوب مختلف في تخطيط المدن وإدارة العمران واستغلال الموارد الطبيعية. ومع تزايد التوسع الحضري وارتفاع الطلب على السكن والخدمات، بات من الضروري تطوير نموذج عمراني يعزز الاستخدام الرشيد للطاقة والمياه، ويحد من الانبعاثات الكربونية، ويضمن جودة الحياة للأجيال الحالية والمستقبلية.
وفي هذا السياق، بدأت الحكومة المصرية، ممثلة في عدد من الوزارات المعنية، السير على نهج ما هو متبع عالميًا، حيث أطلقت وزارة الإسكان وثيقة الاستراتيجية الوطنية للعمران الأخضر والمستدام. تهدف هذه الوثيقة إلى تحويل المسار نحو التحول الأخضر وإعادة صياغة منظومة التخطيط والبناء على أسس أكثر كفاءة واستدامة، وذلك تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية.
تحديات التمويل والمنافسة في المشروعات الخضراء.
أكد عدد من الخبراء أن تبني الدولة لاستراتيجيات وطنية في هذا الاتجاه سيواجه تحديات تتعلق بالتنافسية والتمويل، مما قد يعيق انتشار هذه التجربة على نطاق واسع. وأشاروا إلى أن تمويل المشروعات والمباني الخضراء لا يمكن أن يعتمد على الجهود التطوعية فقط، بل يحتاج إلى وجود حوافز اقتصادية وتمويلية واضحة تشجع المستثمرين والبنوك على الانخراط في هذا المجال. وأوضحوا أن العوامل الاقتصادية التقليدية مثل أسعار الطاقة والمياه لا يجب أن تكون المعيار الوحيد في تقييم جدوى هذه المباني، حيث تتجه الأسواق العالمية نحو تبني حلول مستدامة لأسباب تتعلق بالكفاءة والتنافسية.
أهمية التحول نحو الطاقة المتجددة.
أشار الخبراء إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة وتذبذب الإمدادات العالمية نتيجة الأزمات الاقتصادية أو الجيوسياسية، مثل أزمة كوفيد 19، يؤكد أهمية التحول نحو استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد المعقدة. وأوضحوا أن التوجه نحو الاستدامة أصبح عاملًا مؤثرًا في تنافسية القطاعات المختلفة، حيث أصبحت المنشآت السياحية والصناعية ملزمة بتطبيق معايير كفاءة الطاقة والاعتبارات البيئية، نظرًا لاهتمام السائحين والعملاء العالميين بالإقامة في منشآت صديقة للبيئة، كما أن بعض الأسواق تشترط التزام المنتجات بمعايير الاستدامة لدخولها.
دور البنوك في دعم المشروعات الخضراء.
أكد المهندس عماد حسن، مدير برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أن تمويل المشروعات والمباني الخضراء لا يمكن أن يقوم على الجهود التطوعية فقط، بل يعتمد على وجود حوافز اقتصادية وتمويلية واضحة تشجع المستثمرين والبنوك على الانخراط في هذا المجال. وأوضح أن البنوك لا يمكنها منح قروض بفائدة أقل أو تفضيل نوع من الاستثمارات ما لم يكن هناك عائد اقتصادي أو دعم خارجي يبرر ذلك، مشيرًا إلى الدور الكبير الذي تلعبه الجهات الدولية وشركاء التنمية، مثل البنك الدولي ووكالات التعاون الدولي، في خلق بيئة تمويلية مشجعة.
وأشار إلى أن مصر بدأت بالفعل في تبني استراتيجية وطنية للبناء الأخضر دون أن تكون مفروضة من المؤسسات الدولية، مما يعكس إدراك الدولة لقيمة هذا التوجه. وأضاف أن وزارة الإسكان بدأت في تقديم تيسيرات حقيقية من خلال خفض الفوائد على أقساط الأراضي لتشجيع المطورين على تبني معايير الاستدامة، رغم أن التمويل الأخضر المباشر ما زال في مراحله الأولى داخل القطاع المصرفي.
وأكد أن بعض البرامج الدولية تقدم حوافز مؤقتة مثل استرداد نقدي بنسبة خصم 10% للمشروعات التي تلتزم بمعايير المباني الخضراء، لكنه شدد على ضرورة تحول هذا النوع من التمويل إلى ممارسة مصرفية معتادة خلال السنوات المقبلة. واختتم بالتأكيد على أن التحول إلى العمران الأخضر هو مسار طويل يستغرق سنوات، لكنه أصبح ضرورة اقتصادية وأمنية في ظل التحديات المتعلقة بالطاقة والمياه، مشيدًا بجهود الدولة في بناء قاعدة استراتيجية مستدامة لهذا التوجه.

